العدالة الاجتماعية ودورها في رقي الأوطان

0
العدالة الاجتماعية ودورها في رقي الأوطان

العدالة في اللغة هي الاستقامة وعند أهل الشرع هي الانزجار عن المحظورات الدينية وعند الفلاسفة هي ملكة في النفس تمنعها عن الرذائل وهي المبدأ المثالي أو الطبيعي أو الوضعي الذي يحدد معني الحق, فإذا كان تعلقها بالشيء المطابق للحق دلت علي المساواة وإذا كانت متعلقة بالفعل كانت من الفضائل وفي العدالة تتمثل كل الفضائل وقيل العدالة هي المتوسط بين الافراط والتفريط وأساسها المساواة وجوهرها الاعتدال والتوازن .
والعدالة في الاقتصاد هي عدالة المعاوضة وتتعلق بتبادل المنافع وهي عدالة التوزيع وهي من مطالب العدالة الاجتماعية وهي المعنية بالمساواة بين الموطنين أمام القانون وأتاحه فرص التعليم والعلاج والقروض  والإسكان والتقاضي والتوظيف وتناسب الوظيفة مع الشهادة والخبرة  وتوزيع الأراضي بالتساوي للجميع وهي الضمان للحريات وللحد من الفوارق الاجتماعية.
ولا معنى للعدالة خارج إطار المجتمع الإنساني والمجتمعات البشرية من هنا نسميها بالعدالة الاجتماعية وهي ضمن هذا الإطار ووفق قوانيه المرعية تعني احترام لحقوق الإنسان وإعطاء كل ذي حق من الناس حقه .
فعندما تكون حقوق الجميع محفوظة تكون العدالة حالة وموجودة بمعنى آخر تكون العدالة قائمة عندما يقوم كل إنسان بواجباته فتصبح بالتالي جميع الحقوق محفوظة . ولا يرتفع صوت العدالة إلا عندما تضيع الحقوق أو تغتصب . فيكون هذا الصوت مطلباً مرفوعاً في وجه الظلم والتعدي والاستغلال الناتج عن الميول الأنانية الفردية والاجتماعية التي يحاول أصحابها إشباعها على حساب الغير  فتظهر العدالة صارخة لتضع حداً لتلك الميول ولتعطي لكل إنسان ما يستحق وهذه العدالة التي تهتم بحقوق الإنسان وبالمساواة بينهم وإنصافهم ترتكز على أساس رياضي وتتبنى مصطلحات رياضية قوامها التساوي والاستقامة وعدم الالتواء وهذه المصطلحات هي نفسها التي تستعمل للتدليل على سلوك الإنسان الفاضل الذي يعمل بالاستقامة ويحكم بالتساوي أي العدل.
وتتميز العدالة بثلاث أشكال :ـــــــــــــ
عدالة التبادل ، عدالة العقاب ،  عدالة التوزيع
عدالة التبادل
تحكم العدالة التبادلية علاقات الناس في المقايضة وفي تبادل السلع والأموال ويفترض فيها تساوي الأشياء المتبادلة فليس هناك عدالة عندما تشتري أسهما من شركة مساهمة سعر السهم الواحد ألف ريال والقيمة الحقيقية للسهم لا تتجاوز الخمسين ريالاً  وغالباً ما تضيع العدالة أيام الحروب والأزمات الاقتصادية والمجاعات .والتبادل لا يكون بالسلع وحدها وإنما يكون في الأفكار والعلوم أيضا والتبادل الفكري هو الأغنى .عندما أستبدل ريال معدني بريال ورقي لا يكون في حوزتي إلا ريال واحد ولكن عندما أستبدل معلومة بمعلومة أو قصة بقصة فيكون في حوزتي معلومتان وقصتان هذا التبادل يمكنه أن يكون عادلاً ونزيهاً كما في تداخل الحضارات وتبادل المعارف
بكل احترام دون المساس بالقيم.
كما يمكن أن يكون التبادل تسلطياً واستغلالياً عندما يعطي القوي للضعيف القشور ويمنع عنه اللباب
عدالة العقاب
النوع الثاني من العدالة : هو عدالة العقاب أو عدالة الزجر التي تقوم على إنزال العقاب نفسه بمذنبين متشابهين بذنوبهم لا أن يحكم على الاثنين بحكمين مختلفين الأول شهرين والثاني سنتين
يجب أن تتسم الأحكام القضائية بالعدالة الغير قاسيه والتي الغاية منها الإصلاح بالدرجة الأولى وليس قسوة العقاب أن من الظلم عندما يحكم قاضي على فرد سنتين وعندما ينطق الحكم القاضي يقول المحكوم عليه يا قاضي إنني مظلوم بهذا الحكم يقول القاضي الآن أغير الحكم و احكم عليك حكم آخر وهو خمس سنوات .
يجب أن لا يكون هناك تباين بأحكام الجرائم المتشابهة نتيجة غضب القاضي وقسوته أو جهله بالأحكام أو عدم مساءلته عندما تكثر أخطائه أو نتيجة ظروف أخرى .
ومع تقدم العلوم الإنسانية لم يعد ينظر للمذنب من خلال فعلته ونتيجته الموضوعية فقط بل من خلال نواياه ومقاصده أيضا كما من خلال حالته النفسية ووضعه الاجتماعي وكل الأسباب التي يمكنها أن تخفف العقوبة أو تضاعفه.
أما الخلل الذي يمكن أن يصيب العدالة سببه التحيز الفئوي والاجتماعي والقبلي والمذهبي  والتميز العنصري وعلى المستوى الشعبي والعوامي (( الواسطة )) هذه التي بسببها يقتل المذنب ويبرى آخر أو يعدم آخر ويبرى آخر أو يسجن سارق ويطلق صراح آخر أو يجلد مرتكب فاحشه لفقره ويستر لغناه آمر آخر .
يجب أن نتعامل مع المذنب بأنه مريض ونهتم بالعلاج لا بقسوة العقاب
فالعلاج ينمي الرقابة الذاتية لدى المذنب و يتغير سلوكه من  الشر إلى الخير والعقاب القاسي يظل الشر عند المذنب  كالبركان يتحين الفرص كي يثور .

عدالة التوزيع
النوع الثالث من العدالة : هو عدالة التوزيع والمقصود بالتوزيع هو توزيع الإنتاج والثروات والملكية والأجور .
أنما يصبح مطلب العدالة التوزيعية ملحا في المجتمعات ذات العلاقات الإنتاجية المعقدة التي تحكمها الأنظمة السياسية  كالدولة والتي تظهر فيها العلاقات الحقوقية بإشكالها المتعددة.
عدالة التوزيع هذه هي المحرّك الأكبر للصراع العالمي اليوم على الصعيد الاقتصادي ثم من الأوضاع السياسية والعسكرية .
أن أهم مظاهر الخلل يتجسد بواقع الحرمان والاستغلال فالمستضعفون من المحرومين والمستغلين في أنحاء العالم يعانون من التسلط السياسي والعسكري ومن الاحتكار الاقتصادي والحرمان الإنمائي على كافة الصعد والميادين الحياتية والاجتماعية .
أنطلق أفلاطون في فلسفته العملية ( السياسة والأخلاق ) من رؤيته للفساد الفكري والسياسي والأخلاقي والاجتماعي الذي بلغ ذروته بالمجتمع اليوناني وفي رسالته السابعة قال : (( كنت منذ حداثة سني أصبو إلى ما يصبو إليه العدد الأكبر من الفتيان أترابي أي إلى العمل في السياسة كانت الهيئة الحاكمة آنذاك هدفاََ لنقمه شامله كنت أظن في البدء أنهم سيحسنون سياسة الدولة فيرفعون عنها الظلم ويحكمون بالإنصاف والعدل ولكن سرعان ما خاب أملي وأمل الناس بهم وقد عم الجور والاستبداد ولحق الظلم حتى صديقي سقراط الذي لا أخشى أن أجاهر بأنه اعدل رجل في عصره .
فلما رأيت هذه المآسي والمظالم شعرت بكره كبير للسياسة واعتزلتها وأخذت أتأمل في الوضع وكنت كلما تقدمت بالسن أدركت أكثر فأكثر أن إدارة الدولة إدارة صالحه هي في غاية الصعوبة زد على ذلك أن القوانين والأخلاق بلغت من الفساد حدا أصبحت معه كمصاب بدوار فأخذت أترقب فرصة الإصلاح غير إنني أدركت أخيراً أن السياسات الحاضرة جميعها قد فسدت وأخذت اثني على الفلسفة الحقيقية وأجاهر بأنها وحدها قادرة على أن ترينا الطريق إلى العدالة في الحياة الاجتماعية والفردية وعليه لن تنجو البشرية من ويلاتها ما لم تصل إلى الحكم ذرية الفلاسفة أو يتعلم الحكام الفلسفة ))
ليست فلسفة أفلاطون فلسفه نظريه صرف ومثاليه فقط بل هي وليده ما كان يشاهد في الواقع من ظلم وفساد .
إن مطلب العدالة في الإسلام هو أمر إلهي قبل أن يكون مطلباً إنسانياً فردياً أو جماعياً 0
قال تعالى : ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى  وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي  يعظكم لعلكم تذكرون )) سورة النحل آية 90
قال تعالى : ((أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين *  وزنوا بالقسطاس المستقيم * ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين )) سورة الشعراء
قال تعالى : ((  فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ))
سورة البقرة آية 194
قال تعالى : (( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) المائدة آية 87
قال تعالى : (( يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون ))
سورة المائدة آية  8
فالعدالة هاجس كل إنسان طيب و صادق و محب للخير على سطح الأرض فهي تطور الأمم وترقي الأوطان وتألف بين القلوب وتنمي الانتماء الوطني والروح الوطنية

                   
المرجع 
موقع الحوار والابداع 

0 التعليقات: