التعليم التجاري
0
التعليم التجاري
د. راشد العبد الكريم
لم أر أكثر تزويرًا في
التسمية من عبارة «التعليم الأهلي»، إذا إن الصواب أنه تعليم تجاري بحت، قلب مهنة
التعليم الشريفة النبيلة إلى تجارة، وحوّلها ميدانًا من ميادين الاحتكار ومصدرًا
من مصادر تكديس رؤوس الأموال.
أقول
هذا مهما حاول بعض أصحابه ذر الرماد في العيون وإظهار الأهداف النبيلة (التي كانت
يومًا ما!) لهذا التعليم. التعليم الأهلي قائم عليه التجار، والتجار، غالبًا، لا
يهمهم في النهاية إلا أرباحهم، حتى لو حسُنت نواياهم في بعض الأحيان. وقد لا
يلامون (أعني التجار) إذ هم ينظرون للأمر من ناحية تجارية، لكن يلام التربويون
الذين يتخيلون الأمر على غير ما هو عليه، ويتطلبون في الماء جذوة نار!
وكلمة «الأهلى» خادعة
ومضللة، بما توحيه من تكاتف وترابط بين العاملين والدارسين في المدرسة الأهلية
وتكافل بين الأهالي، وبما تشعه من روح اجتماعية، لكن واقع تلك المدارس يؤكد على
أنها ليس لها من اسمها نصيب. بل هي مشروع استثمار مادي كأي مشروع آخر. بل قد يزيد
سوءًا عنه أنه يتوسل لذلك باستغلال غايات نبيلة. فأصدق ما في كلمة (أهلي) أنها
تعني استغلال الأهل واستنزاف أموالهم.
لجأت وزارة التربية في
وقت من الأوقات إلى تشجيع التعليم الأهلي في فترة تقلص الميزانيات، وانفجار سكاني
مربك، مع ظهور بوادر لنوايا حسنة لدى كثير من رواد التعليم الأهلي. فكان الهدف هو
تخفيف الضغط الشعبي والرسمي على الوزارة. إلا أن الأمر تغير، بل خرج عن السيطرة،
فصار أصحاب المدارس الأهلية يرون أن عملهم مشروع وغير قابل للنقاش، وأنهم هم أصحاب
الفضل على المواطنين وعلى الدولة. وصاروا يتنادون بزيادة الإعانات وتقليل الشروط.
وأعتقد أنه لو استثمرت
الإعانات المادية والعينية التي تقدم للمدارس الأهلية، وفتح المجال للتعليم الأهلي
الخيري القائم على الهبات والأوقاف لاستطعنا سد الثغرة التي يزعم التعليم «الأهلى»
أنه يسدها، وبطريقة أفضل.
إن كثيرًا من مدارس
التعليم الأهلي في المملكة لا تعتمد في بقائها على جودة ما تقدمه من خدمة تربوية
أو تميز في الأداء، بل اعتمادها الأساسي على عدم توفر التعليم الحكومي المناسب
للمواطنين واضطرار المواطنين لها. فغالب المدارس الأهلية لا تكاد تحقق الحد الأدنى
من ضوابط البيئة التربوية المتميزة.
لا أدعو إلى منع
التعليم التجاري تمامًا، فيمكن أن توجد مدارس لمن يريد تعليمًا خاصًا لأبنائه،
لسبب من الأسباب. لكن ما أدعو له هو أن لا يكون لجوء الناس إلى المدارس الأهلية
اضطرارًا بسبب عدم توفر التعليم الحكومي أو بسبب تدني مستواه. كما أدعو إلى ألا
يتظاهر أصحاب التعليم الأهلى بأنهم مصلحون وأصحاب فضل على «الأمة» بمشاريعهم
التجارية، بل يجب أن يفصحوا عن حقيقة أعمالهم: التجارة والربح المادي (على الأقل
في المقام الأول).
لا أظن أن التعليم
العام في السعودية سيتطور ما دمنا نشجع التعليم «الأهلي». لسببين: الأول أن بعض
الناس ربما يجد في انتشار التعليم الأهلى بما تحويه بعض مدارسه من مرافق فارهة في
بعض الأحيان عذرًا في عدم المطالبة بالوصول إلى مستويات متميزة في التعليم العام
الذي هو في الأساس حكومي.
الثاني: إن تشجيع
التعليم الأهلى تكريس للنخبوية والطبقية بين أفراد المجتمع، واستغلال لعاطفة
الأبوة لدى أولياء الأمور، في سياق ضعف حال المدارس الحكومية وعدم توفرها في بعض
الأحياء الجديدة.
إن تطوير التعليم لا يتم عن طريق تشجيع
التعليم الأهلي بل يتم من خلال تطوير التعليم الحكومي، مهما كلف ذلك الدولة
والمجتمع. وإذا أردنا أن نفعل دور
القطاع الخاص فيجب أن يكون من خلال المؤسسات غير الربحية، وبصفته تعليما موازيا لا
تعليمًا بديلًا. فالتربية – كما قال أحد وزراء التربية – أخطر من أن تترك للتجار.
المصدر/ مجلة المعرفة 23/ 4/ 1433هـ